أم كلثوم والقصبجي... غيرة فنية وحلقة مفقودة
صفحة 1 من اصل 1
أم كلثوم والقصبجي... غيرة فنية وحلقة مفقودة
من بين التحليلات الغريبة التي سمعتها عن علاقة السيدة أم كلثوم بالملحن المبدع محمد القصبجي ما جاء على لسان الكاتب محفوظ عبدالرحمن (كتب مسلسل أم كلثوم) الذي وصفها بالعلاقة الدرامية أي القائمة على صراع بين نقيضين أو بين متنافسين يود كل منهما - بما يمتلكه من قدرات فنية وإنسانية- أن يسيطر على الآخر، ولكن يبدو أن أم كلثوم هي التي سيطرت على العلاقة بشكل كامل وطوعتها «لمصلحتها» وتعاملت مع «محمد القصبجي» بأسلوب الثواب والعقاب .
استطاعت أم كلثوم أن تحقق في هذا الإطارأكثر من هدف، في مقدمتها منع القصبجي من التلحين لها علما بأن هذا المنع لا يصب تماما في مصلحتها خصوصا وأن القصبجي أحد أهم ملحني عصره لكنها أرادت أن تعاقبه لأنه لحن لأسمهان وجاء فشل فيلم عايدة «لأم كلثوم» الذي لحن القصبجي أغانيه ليضع حدا بين صوتها وألحانه وبذلك وجدت أم كلثوم نفسها في موقع القادر على معاقبة الفنان المبدع الذي سبق عصره حين قدم لأسمهان أروع ألحانه «يا طيور» وايمتى ح تعرف «ويا حبيبي تعال الحقني شوف اللي جرالي» وغيرها الكثير من القصائد والطقاطيق التي قلبت مقاييس الغناء والألحان في أواخر الثلاثينيات وأوائل الأربعينيات حين كان الملحن هو صانع الأمجاد للمطربين والمطربات وأكبر دليل على ذلك ألحان محمد عبدالوهاب لفايزة أحمد ونجاة الصغيرة ووردة وعبدالحليم حافظ وليلى مراد وغيرهم الكثير وكذلك ألحان محمد الموجي وبليغ حمدي وكمال الطويل للمطربين المذكورين حيث كان الملحن يتفوق في كل شيء على المطرب أو على الأقل يساويه شهرة وحضورا ومكانة. تصاعد الصراع لماذا عاقبت أم كلثوم الملحن محمد القصبجي؟ وهي التي كانت تحرص أشد الحرص على اختيار الملحن القادر على تقديم أجمل الألحان وأكثرها تأثيرا في وجدان الناس؟ هنا تبرز مكونات العلاقة الدرامية بين أم كلثوم التي كانت ترسخ شخصيتها كفنانة عظيمة تمتلك الصوت القوي - والجميل -والحساس، وبين محمد القصبجي الذي اكتسب مبكرا لقب الملحن المجدد والمطور للجملة الموسيقية الشرقية، أو لنقل الذي نقل الأغنية العربية على أجنحة لحنية غربية من خلال ألحانة لأسمهان صاحبة الصوت الأوبرالي «سوبرانو»، لذلك كانت معظم ألحانه لها تنطلق من جمل لحنية غربية في مقدمتها التانغو «والفالس» وغيرهما بينما نجده في لحنه الأشهر «رق الحبيب» لأم كلثوم شرقيا خالصا وكذلك في ألحانه للعديد من أغنيات فيلم «عايدة» مما يطرح أمامنا العديد من الأسئلة. هل كان اعتراض أم كلثوم على القصبجي ناتجا عن مجرد تلحينه لأسمهان؟أم أنها كانت تعترض على نوعية الألحان التي يقدمها القصبجي لها؟
هناك حلقة مفقودة لم يشر أحد إليها واكتفى من عاصرهما بالإشارة إلى أن أم كلثوم عاقبت القصبجي لأنه لحن لأسمهان كما تقول د.رتيبة الحفني على اعتبار أن الغيرة الفنية كانت قائمة وبحدة بين أم كلثوم وأسمهان كما أن الغيرة الفنية كانت سببا مباشرا في منع عدد من الملحنين لمطربين أمثال عبدالحليم حافظ ونجاة الصغيرة ومحمد رشدي الغناء من ألحان فريد الأطرش كما ذكر في إحدى الصحف أن بليغ حمدي ذهب بنفسه إلى المطرب محمد رشدي وطالبه بعدم الغناء من ألحان فريد حتى لا يتغير مساره الغنائي الذي ابتدعه له ومع ذلك غنى رشدي أغنية "عشرية" في حفل فني لفريد الأطرش فالمعروف عن فريد أنه كان يحرص على التلحين لكل المطربين الذين يشاركونه الغناء في حفلاته. علاقة درامية إذن العلاقة الدرامية أو بتسمية أخرى الغيرة الفنية التي كانت سائدة في تلك المرحلة المتوهجة من زمن الغناء والموسيقى أسهمت في حرمان آذاننا من سماع المزيد من الألحان الرائعة في حال لحن فريد لأم كلثوم أو نجاة أو عبدالحليم كما كنا سنسمع المزيد من الألحان الرائعة للقصبجي بصوت أم كلثوم لو أتيحت له الفرصة قبل أن يتحول إلى عازف عود في فرقتها الموسيقية حتى وفاته في أوائل الستينات وهناك من قال إن عقاب أم كلثوم للقصبجي جعلها تشعر بالذنب بعد رحيله وكانت ترسل معاشا شهريا لأسرته لأنها بشكل أو بآخر أسهمت في قطع رزقه خصوصا وأن أسمهان المنافسة لها قد سقطت قبل أوانها في تلك الترعة المأساوية اللغز حتى الآن ولم يعد للقصبجي من صوت كبير ومتمكن غير صوتها «أم كلثوم ».الذي سيطر على أسماع العرب منذ بداية القرن الماضي ولا يزال.
هل يحق لنا أن نحاكم أم كلثوم دفاعا عن القصبجي؟ وهل يحق للأشخاص إلغاء آخرين إذا اختلفوا معهم في الرأي أو الرؤية أو تفوقوا عليهم في المكانة أو الإبداع أو التميز؟ وماذا سيكون حال القصبجي لو أنه تابع تقديم ألحانه الرائعة لها خصوصا وأن هناك أكثر من عشرين عاما سقطت سهوا من زمن الإبداع بينهما مما يدفعنا إلى طرح المزيد من الأسئلة من يحمي المبدع من الغيرة أو التنافس أو محاولة إلغائه؟ ومن يعيد العلاقة الدرامية إلى طبيعتها أي إلى التنافس الشريف الذي يحمي المواهب والإبداعات المتميزة على كل صعيد؟وهل علاقة الصراع أو الغيرة الفنية التي تتحكم فيها المزاجية والسلطة والعلاقة المصلحية أكثر من الكفاءة والموهبة والتميز ستظل سائدة في عالمنا العربي؟ من يحمي الإبداع؟ ومن يمنع الدراما من التحول إلى تراجيديا على كل صعيد؟ إن ما جرى للقصبجي على يد أم كلثوم يحدث الآن بشكل أو بآخر في مختلف المجالات الفنية والإبداعية، فالغيرة لم تعد غيرة فنية وإنما تحولت إلى غيرة شخصية وإلى صراع شخصي على الشهرة التي لم يعد ضمن عناوينها التميز أو الكفاءة كما كان في الماضي ،وإنما أصبح العنوان الأبرز هو أنا ومن بعدي الطوفان.
عن مجلة الكويت
safaa- عضو جديد
- رقم العضوية : 61
الوطن :
عدد المساهمات : 14
تاريخ التسجيل : 23/07/2015
مواضيع مماثلة
» لوحات فنية تحكي عن الطبيعة
» ام كلثوم بالمغرب
» قالوا في ام كلثوم
» صور نادرة لكوكب الشرق المرحومة السيدة ام كلثوم
» ام كلثوم بالمغرب
» قالوا في ام كلثوم
» صور نادرة لكوكب الشرق المرحومة السيدة ام كلثوم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى