وفي عام 283هـ - 895م سأل المعتضد منجميه عن حال السنة القادمة 284هـ - 896م فقالوا كلهم إنها سنة ممطرة وستغرق بغداد ويهلك خلق كثير، وعارضهم ثابت بحساباته الفلكية وخالفهم في الرأي، وحدث ما توقعه ثابت فلم تسقط الأمطار من بداية السنة إلى خاتمتها بل إن الينابيع قد جفت، واعترى المنجمين الخجل والخزي.
وقد سأل المعتضد ثابتا أن يضع كتابا في الأنواء فوضع ثابت هذا الكتاب ولخص فيه خبرة الحرانية بالأنواء. وفي ظل المعتضد نَعِم ثابت بن قرة بحياة طيبة، فقد أقطعه المعتضد ضياعا تدر عليه عائدا كل عام.
وفي بغداد بلغ ثابت منزلة عالية فصار رئيسا للفلكيين ورئيسا للأطباء في بيمارستانات بغداد. وأصلح ثابت بن قرة ترجمات بني شاكر وترجمة حنين بن إسحاق للمجسطي إصلاحا قضى به حق إسحق عليه في صحبته. ارتبط ثابت بالعالم الفلكي سند بن علي ، وقد أرسل له سند بن علي بعض الأسئلة الهندسية، فكتب ثابت أجوبتها، واعترافا منه بفضل الوزير إسماعيل ابن بلبل أهداه كتابا بعنوان الشكل الملقب بالقطاع وهو مقال في الهندسة. ورد ثابت بن قرة في أواخر حياته بالسريانية على الكندي في رأيه في "السكون بين حركتي الشريان" وأومأ في رده الطبي بتغليط الكندي، وقد نقل هذا الكتاب إلى العربية "عيسى بن أسيد". وكان من أصدقاء ثابت بن قرة الشاعر والنديم "علي بن يحيى المنجم"، وقد ألف له ثابت كتابا ضمنه أبوابا من علم الموسيقى والغناء العربي، وشرح فيه علم الألحان طبقا للعلم الرياضي اليوناني وهو كتاب: شرح السماع الطبيعي . وفي بغداد عاش ثابت ثلاثا وثلاثين سنة من عمره الذي بلغ سبعا وسبعين سنة، وترك وراءه أسرة من العلماء من أولاده وأحفاده.
وقد ترجم ثابت بن قرة كتاب إقليدس "الأصول" أو "الأركان"، وبه خمس عشرة مقالة. وهذا الكتاب هو مبدأ العلوم الهندسية على الإطلاق. وكذلك ترجم ثابت خمسة عشر شكلا مأخوذا من مأخوذات أرشميدس، كما ترجم كتاب المخروطات لأبولونيوس، وترجم مقالة جالينوس في تشريف صناعة الطب. وترجم ثابت كتاب المجسطي لبطليموس وهو كتاب في علم الفلك. كما ترجم ثابت كتاب المسبع المنتظم لأرشميدس ، وظلت النسخة الإغريقية لهذا الكتاب مفقودة إلى أن عثر "كارل شوي" على مخطوط ترجمة ثابت بن قرة العربية في القاهرة. وكشف النقاب عنها للعالم الغربي، وتمت ترجمتها إلي اللغة الألمانية عام 1348هـ -1929م.
وإلى ثابت بن قرة يعزى الفضل في نقل أعمال علماء الإغريق من أمثال: إقليدس، أرشميدس، بطليموس، أبولونيوس، أوتوسيوس من اليونانية إلى العربية، ولولا جهوده الفذة في الترجمة لكان عدد الأعمال الرياضية الإغريقية المعروفة لدينا اليوم أقل، ولقد استوعب ثابت بن قرة محتويات أمهات الكتب التي ترجمها إلى الحد الذي مكنه من اقتراح تعديلات وتعميمات لها.
ولاشك أن ثابتا يعد أباََ لعلماء الرياضة المسلمين الذين جاءوا بعد القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي، وأنه عبقري الرياضة والرياضيين في القرن الذي عاش فيه، فثابت بن قرة له إنجازات في الهندسة النظرية التحليلية و حساب التفاضل والتكامل ويعد من أعظم عل ماء الميكانيكا النظرية في الحضارة الإسلامية. وقد اقتبس عنه بعض العلماء العرب ومنهم: البوزجاني ، و أبو النصر ابن عراق ، و الطوسي بما ذكره في حساب المثلثات
توصل ثابت في كتبه إلى حلول هندسية لإيجاد مركز الثقل لأشكال هندسية مختلفة، مربعا كان هذا الشكل أو مثلثا أو شكلا منحرفا أو دائرة. وحل مسائل في إيجاد الحجم والمساحات بطرق شتى. وقد مهد ثابت الطريق لحساب التفاضل والتكامل بإيجاد حجم الجسم المتولد من دوران القطع المكافئ حول محوره. ووضع مفروضات مسائل هندسية وقدم حلولا لها.
ووضع كتابا برهن فيه على قانون يقول: إن الخطين المستقيمين إذا خرجا على أقل من زوايتين قائمتين التقيا في جهة خروجهما (برهان مصادرة إقليدس الشهيرة في كتابه: "الأصول" ) .
اشتغل ثابت بن قرة بالأعداد المتحابة في كتابه: الأعداد المتحابة ، وقد توصل فيه إلى إيجاد صيغة مبتكرة للأعداد المتحابة ووضع معادلة لها وبرهن عليها. كما كان أحد الرياضيين العرب الأفذاذ الذين بذلوا محاولات لحل معادلات الدرجة الثالثة بالطرق الهندسية، شأنه في ذلك شأن: الماهاني ، و الخازن ، و ابن الهيثم ، و عمر الخيام
توصل ثابت بن قرة إلى تعميم نظرية فيثاغورس بتطبيق الحساب والجبر في الهندسة، وبالعكس عند حل المسائل الجبرية بالطرق الهندسية. واشتغل ثابت بن قرة بالهندسة التحليلية النظرية وله ابتكارات سبق بها ديكارت (1005 - 1061هـ / 1596 - 1650م) . وقد وضع فيها كتابا بين فيه علاقة الجبر بالهندسة والهندسة بالجبر وكيفية الجمع بينهما.
أعطى ثابت بن قرة المعادلات التكعيبية بطرق هندسية بواسطة قطاع المخروط، وقد استعان بها علماء الغرب في بحوثهم الرياضية في القرن العاشر الهجري - القرن السادس عشر الميلادي، مثل: كارادان وغيره من كبار الرياضيين الغربيين. وكان ثابت أول من كتب في المربعات السحرية ، و الحساب الهوائي
كتب ثابت بن قرة رسالة في النسبة المؤلفة . واستعمل ثابت في تلك الرسالة مصطلح الجيب الهندسي بدلا من وتر ضعف القوس الذي كان يستعمله علماء اليونان، وكان لهذا الاستعمال أهمية كبيرة في تسهيل حلول الأعمال الرياضية.
وكان ثابت بن قرة من رواد علماء الفلك ال عرب الذين ترجمت مؤلفاتهم إلى اللغة اللاتينية خاصة. وكانت مرجعا للأوربيين حتى أواخر العصور الحديثة. ومن أوائل أعمال ثابت تأليفه لكتاب عن المزولة الشمسية التي تستخدم من قديم في قياس الزمن. خصوصا لتحديد وقت الصلاة وفيها يبين طول الظل الممدود من عمود شاخص طوال ساعات النهار في كل مكان. وتكون الشمس في الزوال (منتصف النهار) عندما يصل إلى أقل قيمة له. ولا يكون طول الظل صفرا إلا في حالة التعامد عندما تكون الشمس فوق الرءوس تماما. ولا تتوفر هذه الحالة إلا بين خطي عرض 33. 5 شمالا وجنوبا.
وقد توصل ثابت بن قرة إلى معرفة خطوط العرض ليلا بقياس ارتفاع النجم القطبي، وقد وجد أن الدرجة القوسية=56ميلا.
وقد قام ثابت بأرصاد حساب في مرصد الشماسية ببغداد، وأجملها في كتاب بين فيه مذاهبه في سنة الشمس وما أدركه بالرصد في مواضع ارتفاعها. واستخرج حركة الشمس حول الأرض على مدار الفصول، وحسب طول السنة النجمية، فكانت أكثر من الحقيقة بنصف ثانية. وحسب ميل دائرة البروج، وقال بحركتين: مستقيمة ومتقهقرة لنقطتي الاعتدال.
ظاهرة هزة الاعتدالين ظاهرة هزة الاعتدالين
اكتشف وهو بمرصد الشماسية الظاهرة الفلكية المعروفة باسم: "هزة الاعتدالين". وقد فسر ثابت بن قرة هذه الظاهرة بأن محور دوران الأرض يهتز أو يترنح كما تترنح النحلة، وهي تقف وتدور حول محورها، فتروح متمايلة هنا وهناك. وقال بأن ترنح محور الأرض له دورة كاملة تستغرق نحوا من ست وعشرين ألف سنة، بمعنى أن المحور لا يشير دائما إلى النجم القطبي. وقد أكد صحة ذلك الفلكيون في العصر الحديث.
وقد أحصى مؤرخو العلوم والعلماء في موسوعاتهم لثابت بن قرة مائة وثمانين كتابا في علوم: الرياضة، والطب، والطبيعة، والفلسفة، والفلك، والأخلاق، وقد فقد أكثر هذه الكتب في الأحداث الدامية التي أصابت العالمين العربي والإسلامي قبيل عصر النهضة الأوربية الحديثة.
له في الرياضيات كتب أهمها: أشكال الخطوط التي يمر عليها ظل القياس ، و أشكال القطاع ، و استخراج مسائل الهندسة ، و أشكال المجسطي ، و الأعداد المتحابة ، و آلة الزمر ، و النسبة المؤلفة ، و المفروضات ، وقد وضع به مسائل رياضية.
ويصر فريق من مؤرخي العلوم على أن ثابت بن قرة عالم رياضة بالدرجة الأولى لأهمية كتبه الرياضية وخاصة بكتابيه: مدخل لكتاب إقليدس و النسبة المؤلفة ولتمهيده لعلم حساب التفاضل والتكامل.
وفي الطب ألف ثابت كتبا أهمها: اختصار النبض الصغير لجالينوس ، و تدبير الصحة ، و البصر والبصيرة في علم العين ، و جوامع الأمراض لجالينوس ، و الأدوية المفردة ، و الذخيرة في علم الطب
وفي الفلك ألف كتبا أهمها: إبطاء الحركة في فلك البروج ، و تركيب الأفلاك ، و علة كسوف الشمس والقمر .
وله في الموسيقى كتاب: شرح السماع الطبيعي .